عن أحوال النقد الأدبي في اليمن
يسري على
النقد الأدبي ما يسري على غيره من العلوم والفنون التي يتطلب تطورها وازدهارها
بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية حاضنة، فالنقد الأدبي مزيج من العلم والفكر
والتفلسف والإبداع، وليس صحيحا أن وظيفته الوحيدة تحريك عجلة المشهد الأدبي، لأن
الإبداع كما يقال سابق للنقد، وولادة النصوص الإبداعية وازدهار الفنون عامةً تعد
في مجتمعاتنا المنهارة حالة من الترف، وهذا الترف لا ينتعش إلا في أجواء من
الاستقرار الشامل، حيث يتحول استهلاك وإنتاج الفنون إلى مجال من المجالات الحية
والنشيطة.
وبالتالي
عندما يغيب النقد الأدبي أو يضعف مستواه أو يقل إنتاجه فإن ذلك ليس دليلًا على
تكاسل النقاد، بقدر ما يؤشر إلى غياب كثيف لأمور عديدة، وهو غياب يشمل ضعف وانهيار
التعليم وانعدام المجلات والصحف والمنابر والمؤسسات الثقافية، كنتيجة لتبدل
أولويات المجتمع واقتصارها على البحث عن الأمان والاكتفاء والانحناء لعواصف الحروب
والانهيارات التي تعصف بواقعهم.
أضف إلى ما
سبق أن عقود ما بعد الثورة ضد الإمامة في شمال اليمن، وعقود ما بعد رحيل الاستعمار
عن الجنوب، لم تؤسس للاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلا لفترات محدودة،
شهدنا خلالها ازدهار المسرح والفن والألحان والشعر والسرد والنقد والجدل في الشأن
العام.
صحيح أن أجيالاً جديدة من الشباب الذين كبروا في ظل أزمات اليمن الحادة بدأوا بالتعايش مع الواقع، وبدأ إنتاجهم يفرض نفسه، ولا سيما في الرواية، وهذا دليل آخر على أن النص دائما يسبق النقد، وسنبقى لسنوات نشهد ازدهارا في إنتاج النصوص بينما سيحتاج الناقد إلى فترة للحاق بالإبداع، يتأمل خلالها ما الذي يدور وما إذا كانت موجة عابرة أم ستستمر. وكلنا ننتظر أن يتعافى اليمن وأن تعود السياسة ولغة العقل والجدل المثمر إلى الواجهة بدلاً من السطوة التي يتمتع بها الآن التخلف والجهل والعنف.
*مساهمة
الكاتب ضمن استطلاع صحفي حول واقع النقد الأدبي في اليمن. نشر في أغسطس 2023.
تعليقات
إرسال تعليق