إضاءات حول ديوان "حياة بلا باب"*
د. وجدان الصائغ*
..
ولو انتفلت إلى قصائد الشاعر أحمد السلامي في مجموعته الشعرية "حياة بلا
باب" (الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، صنعاء 2002م) فإنك ستكون
إزاء متن سوريالي يسعى وبمكابدة فنية ووعي جمالي حاد إلى تفكيك العلائق المنطقية
بين الأشياء توقاً إلى وخز أفق التوقع ومداهنته للبحث عن حلول لأسئلة يضعها النص
في سلالة، أحمد السلامي ومنذ العنونة يجعل من النص مرايا صقيلة تعكس الرؤى
الأيديولوجية للذات المبدعة إزاء الحياة والكون وهي رؤى لا تستشفها القراءة العجلى
وإنما تبقى رهينة التأويل الذي يمس شغاف البنية الغائبة المسكوت عنها. فـ"حياة
بلا باب" تؤشر دلالتين متصادمتين إحداهما الرغبة في هتك أقفاص الأمكنة
والأخرى هي شدة الالتصاق بالذات والانغلاق عليها لخلق ارتباكاً في مناخ التلقي
يعيه الشاعر ويقصده. ولو تأملت في غلاف المجموعة ستجد هذا الارتباك يتسلل إلى
الصورة الفوتوغرافية التي تواجهك بملامح أحمد السلامي الذي يقف محايثاً لباب كبير
وثمة ضوء يلفح جبينه يشير إلى انفتاح الباب إلى أن هذه وجهته ووقفته ينعكسان على
مرايا شطرت الصورة الفوتوغرافية شطرين وهو انشطار يتوغل إلى عمق المتون الشعرية
فيثير حفيظة التلقي ويستفزه لإعادة قراءة الراهن، لاحظ مثلاً ما قاله في قصيدة
"دليل" (ص 47):
في
الضياع كف
للكف
عين فيها دمعة
في
الدمعة حنين إلى ذيل ثوب دليل مفقود
أنت
إزاء نسقين أحدهما منطوق به يفكك العلائق المنطقية بين الأشياء لخلق مسرح عبثي ضاج
بالإثارة والآخر مسكوت عنه ملفع بالمرارة ومتخم بالتوق إلى الانعتاق من عذابات
الوحشة والترقب لحضور الآخر الحميم الغائب. فاليد تحيل إلى الرغبة في الأداء
والمصافحة، والعين تحيل إلى الترقب، والدمع يحيل إلى الإحساس العارم بالهزيمة
القصوى، ويكثف السطر الأخير الرغبة في الخلاص من دوامة الوحدة.
وتضيء
قصيدة "فزع" (ص 69) أفقاً آخر.. لاحظ:
كمن
يتجمد بانتظار صوت الطلقة
أو
كالذي – لمرات عديدة – يكتم تنفسه حد الاختناق
يتوقع
لحظة ظهور الوحش في فيلم مرعب
أترقب
فزع انفتاح الباب
يخلق
صورة تشبيهية معقدة نسبياً فهو يؤخر المشبه واعياً، "أترقب فزع انفتاح
الباب" ليقدم وبأداة تشبيهية واحدة هي الكاف صورتين متكاملتين تمظهرتا في
الأسطر الثلاثة الأولى وشكلتا المشبه به. السلامي أراد أن يصوغ صورة تتكور على
الفزع من انفتاح الباب الذي يحرك المتن إلى أكثر من بعد أسطوري فثمة أنكيدو الذي
اجتاز الباب لينتقل من اللاوعي إلى الوعي الذي أطاح به وثمة أوديب الذي رفض
الانفصال عن الرحم الأنثوي فقضى صريع رغبته.. تتظافر هذه الوجوه لتعكس إحساسات شتى
منها الانفصال الحاد عن العالم الخارجي بعتمته.
*مقتطف من دراسة للناقدة الدكتورة وجدان الصائغ، منشورة
في مجلة غيمان، العدد الأول، شتاء 2007، بعنوان "قصيدة النثر في اليمن والنص المغاير.
تعليقات
إرسال تعليق