سيف الرحبي يصافح القارئ بالشعر
أحمد السلامي
بداية، أظن أن مساحة كبيرة من الديمومة
الشعرية العربية، إنتاجًا وتلقيًا في وقتنا الراهن، تدين لسيف الرحبي ولمجلة نزوى
بالكثير. فكلما لمحت هذا الاسم الكبير أجده مرادفًا للإعلاء من شأن الشعر، له دوره
الصامت في المحافظة على مكانة الكتابة الشعرية كاشتغال لم يفقد صدارة الاهتمام، أن
تجعل باب الافتتاحية في المجلة مشرعًا على القصيدة، وهي تتأمل وتنسج تداعياتها
بخطاب نثري مختلف، ذلك يضع المتلقي في متن شعرية تتجرأ على كسر التبويب المصمت
المتعارف عليه في ذاكرة المجلات الثقافية العربية. هذا هو سيف الرحبي الذي يصافح
القارئ بالشعر. أجد هذه الإشارة مدخلًا مناسبًا لمشاركتي في هذا الاحتفاء.
على مستوى التجربة ومكانتها في الشعرية
العربية، حتى الذين ليسوا من جيل الرحبي ولم يجايلوا بداياته، يجدون له حضورًا في
وعيهم. ليس بوصفه اسمًا مكرسًا وحاضرًا ضمن نخبة تعولمت عربيًّا وصارت أيقونات
بارزة في عواصم الثقافة وأنشطتها ومطبوعاتها، فحضور سيف يتأسس على خصوصية تجربته
وتمرده على التشابه والتماهي مع السائد المجايل له. لديه نجاحه المختلف والصعب
كذلك. لقد استطاع أن يجعل الشعر اشتغاله الأثير وعنوانه الدائم. به يعرف ولا يشار
إليه إلا بوصفه سيف الشاعر. ظل ولا يزال يحفر قصيدته كما عاش ويعيش تجربته
الحياتية وتأويلاته المتجددة لإيحاءات ومرئيات، تستدعيها الجغرافيا والمنافي
والراسخ من طبوغرافيا الأمكنة وما تشف عنه في الوجدان الذي يتجوهر ويتعتق في وعي
الشاعر.
يرتبط اسم سيف الرحبي لدى الأجيال
الأحدث كذلك باسم مجلة نزوى، على رغم أن تجربته أكثر شساعة، لكن منجز المجلة لم
يكن عابرًا من ناحية الأثر والدأب والاستمرارية والتقاليد والمحتوى الغني الذي
أسهم في تربية الذائقة وتكوين بؤرة مشعة للتبشير بالكتابة الجديدة، في وقت غلب عليه
انطفاء الحماسة في مراكز ثقافية شهيرة، فيما واصلت نزوى مهمة تبئير الحداثة وما
بعدها في المخيال الثقافي العام، عبر نشر النص الجديد والترجمات الملهمة. لا أنكر
أنني اهتديت إلى أسماء بارزة عربية وعالمية في حقول أدبية وفنية وفلسفية من خلال
أبواب مجلة نزوى. نحن كذلك في اليمن كجغرافيا محسوبة على الأطراف المقصية الواقعة
على الهامش استفدنا من مجلة نزوى، وأوصلنا أصواتنا ونماذج من نصوصنا إلى الساحة
العربية، لذلك نكن عاطفة خاصة تجاه المجلة وتجاه سيف، باعتباره أيضًا العماني الذي
لا يجهل اليمن بل اندمج في مرحلة من حياته مع عوالمها وناسها. وعمان بالنسبة لليمن
فضاء لتاريخ حضاري مشترك بحكم الجغرافيا المتجاورة. أيضًا لا أنسى صديقنا الشاعر
طالب المعمري الذي لا أحد ينكر بصمته في التواصل واستحضار الأسماء من غياباتها.
أعود إلى التداخل بين الرحبي الشاعر
ونزوى المجلة، وهو تداخل مبرر ثقافيًّا من زاوية التلقي والأثر والدور الذي
استطاعت المجلة أن تتموضع فيه. لقد حافظت نزوى بإصرار من سيف الرحبي نفسه على
وجودها بشقيه الفيزيائي الملموس ورقًا وإخراجًا وتبويبًا وعوالم غنية وكتابات
وترجمات وحوارات مدهشة لن تجدها إلا على صفحاتها، وهناك الوجود الآخر العابر
للمجلة ككتلة ورقية تلمس ثقلها بين يديك، وأعني به الوجود الثقافي الرمزي والتراكم
الذي حققته في المشهد الثقافي العربي عامة.
*ضمن ملف نشرته مجلة
"الفيصل" عن سيف الرحبي. في يناير 2021
تعليقات
إرسال تعليق