علي المقري يكتب عن "أجواء مباحة"

 


أن يتناول عملك السردي روائي فنان له حضوره واسمه في مدونة السرد يمنيا وعربيا، فهذه شهادة وحافز كبير. كل الاعتزاز والتقدير للصديق العزيز على المقري على قراءته في رواية "أجواء مباحة" التي نشرها في مجلة "المجلة" في مادة بدأها بعرض لرواية الصديقة الدكتورة نادية الكوكباني "هذه ليست حكاية عبده سعيد".

أقتطف هنا من المقالة الجزء المتعلق برواية "أجواء مباحة".

 

أجواء مباحة

في أول أعماله الروائية "أجواء مباحة" الصادرة أخيرا عن "دار الآداب" البيروتية، يعود بنا الشاعر أحمد السلامي إلى عام 2007 والعام الذي يليه، حيث اخترقت طائرات دون طيار أميركية الأجواء اليمنية، مستهدفة عناصر إرهابية "جهادية"، مما أدى، أحيانا، إلى مقتل مدنيين ونجاة الأشخاص المستهدفين. فعامر، الشخصية الرئيسة في الرواية، يسرد قصة أخته هدية وبناتها هارمونيكا ونسمة وأميرة، بعدما تعرضن لقصف واحدة من هذه الطائرات أودى بحياتهن في قرية صدر الجبل، فيما نجا سهيل أبو سرة، الشخص المستهدف (الجهادي)، الذي فر فور سماعه تحليق الطائرة فوق منزله "ربما كانت خطتهم تقضي باستهداف سهيل وهو نائم، لكن الموت بتلك الطريقة القذرة كان من نصيب شقيقتي وبناتها. أما الهدف الذي كانوا يقصدونه، فقد قفز مثل كلب سهران من سطح الدار بعد أن سمع أزيز الدرون، فحدث لنا ما حدث، بينما لا يزال أبو سرة يتجول وينهب البنوك ومحال الصرافة ويرفع صوته بالتكبير، وهو يعرف أنه مجرد محتال، أما أولئك الذين يعتقدون بأنهم سوف يحررون الجزيرة العربية باسم الجهاد، فليسوا إلا حفنة من المحتلين والتائهين الذين يُعبِّدون طريقهم إلى جهنم، منذ أن هجروا مزارعهم وزوجاتهم، ورفعوا الرايات المظلمة مثل قلوبهم، واعتنقوا يوتوبيا الموت".

تكشف الرواية عن علاقة متشابكة مع الحدث الرئيس، فـ"الأمرط"، صاحب الدكان، هو الذي دس شريحة التتبع لسهيل في صندوق البرتقال الذي اشتراه منه قبل أن يذهب إلى منزله.

وسيلقى ابن الأمرط حتفه في عملية دهس بسيارة بعدما بقي يعلن أنه سيلحق، وبقية أفراد عائلته، أباه الذي غادر إلى أميركا مكافأة له على مساعدته في تعقب المستهدفين من إدارة مكافحة الإرهاب. وسيلمح البعض إلى أن سهيل أبو سرة هو من قام بهذه العملية لكن الشيخ فضل عدم إثبات التهمة حتى لا تندلع مواجهة ثأر بين العائلتين. وفي وقت لاحق سيكون هناك مصير مفاجئ للأمرط نفسه في أميركا بعدما تلقى خبر وفاة ابنه. فيما يتعهد عامر لأجهزة أمن الدولة، بعد سجنه، بعدم طرح قصة مقتل أخته وبناتها للصحافة. إلا أن صديقه السويسري كلود يخبره، بعدما عاد إلى جنيف، أنه نقل القصة إلى منظمات كثيرة هناك.

 

العيش في الفراغ

حدد السلامي موضوع روايته، أو محنتها التي هي وجهة قصته، فيسرد عامر في هذا السياق بعض الأحداث كمهاجمة سفارة واشنطن في صنعاء، والتحاق بعض الشباب بمنظمات جهادية والاعتداء على السواح، وعلاقة جميل، زوج أخته نجمة بمجموعة من العملاء. إلا أن عامر يخرج عن سياق السرد المحدد في العتبات أو الإطار العام، فنجده يسرد في مشاهد حميمية علاقة نشوان، ابن شيخ القرية (العاقل)، بالنساء اللواتي يصادفهن بسيارته الأجرة، ولا يتمنعن، جميعهن، عن تحقيق رغباتهن بأي شكل، وصولا إلى حبيبته المصطفاة منهن، التي تغار عليه وصارت تهبه بعض المال من أجل أن يمتنع عن العمل في السيارة الأجرة، قبل أن يفارقها تلبية لرغبة أبيه، فيعيش في فراغ يقوده إلى الانضمام الى الجهاديين.

كل ذلك من خلال راو عليم، مشارك بالأحداث أو غير مشارك، يعرف تفاصيل ما يحدث. وهو الحال نفسه، الذي نجده في تناول حياتي الخال، الديبلوماسي العسكري، والصحافي عبده الكوكبي. وإن كان لهذين الشخصين علاقة ببعض سياق السرد، حيث أن الخال ارتبط باللعبة (الهارمونيكا) التي أهداها إلى ابنة أخته هدية فيما ارتبط الصحافي الكوكبي بنشر أخبار ما حدث لأخت عامر وبناتها، إلا أن الكثير من جوانب حياة هؤلاء الثلاثة، وغيرهم، تبدو قصصا مجاورة للقصة الرئيسة. وهي قصص تعج بالفاسدين ومتقلبي المواقف والأمزجة، والمتخاذلين والمخذولين والضحايا.

هي رواية السلامي الأولى، ومع هذا أظهرت قدرة سردية لاستكشاف بعض مشاكل اليمن التي بدا إظهارها هاجسا أساسا لديه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مقتطف من مقال للروائي علي المقري منشور في مجلة المجلة بعنوان "روايتان من اليمن... أحوال بلد يحاول النهوض كلما تعثر .. الكوكباني والسلامي يغوصان في الواقع الاجتماعي والسياسي خلال نصف قرن".

تعليقات

المشاركات الشائعة