"حياة بلا باب" كتاب شعر - أحمد السلامي

 

حياة بلا باب

 

أحمد السلامي

 

(مجموعة صدرت عام 2002م عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين)

 

  


مجاملة

نكون واقفين في الصالة

نتهيأ لدخول غُرفنا

ينبغي ألا ينتظر أحدنا كلاماً

ندخل الغرف 

مكتفين بالابتسامات. 

 

 


فراغ

نتقاسمُ الليل وتعب الشهيق

أحياناً تنقلب الأمزجة

ينزاح الوجوم سعادة

بشهقات لا ينقطع وميضها

ولأن الحياة باردة يسخنونها بالعبث

تطيش ابتساماتهم بالرقة

بأجفانهم يذبحون الليل

يظلون أوغاداً بحماقاتٍ سهلة 

يستطيعون الصمت ليضحكوا فجأة

يفكرون جيداً بتدبير الجنون

المزاح براعة أفواههم

يسكرون بالضجيج

لا يبالون بسمعكَ الرهيف

يكسرون عاداتك

وبلا أسف يضحكون.

 

لا شيء يستحق الحركة

ولا أحد كذلك

كل دقيقة تمر فَرِحة من بين أصابعهم

يظل الوقت ذكياً

يدفع بهم إلى الهاوية

لِيُغرقوا في النسيان أحلامهم

يُبللون المطامح بلعاب الضجر

ويسندون ظهورهم إلى الجدران

يتفرجون على حياتهم وهي تمر

يفترشون الكآبة

كل يوم

بلا أمل في الأمل.

 

كل شيء يبدأ من الآن

وما ظننتها معرفة كانت لبساً

حتى الابتسامات

تستطلع فيَّ شيئاً

ربما انفعال راكد في جبهتي

أوراق اللعب تلد الصراخ

كانت حبلى بالغش

لم أكن أعرف أنني وحيد لهذه الدرجة

وحيد خيالات أبسطها أن أطير

وحيد رغبات ألحها الهدوء

كل شيءٍ يصرخ في وجهي بصمت

ينبهني للعزلة

كل شيءٍ عاد مغلقاً بالشكوك لدرجة أن

الجالس مع الضجيج اللازم لجلوسه

 يرفع نظره إليَّ

أتحفز للتقهقر

أبحث عن مرآة

خطأ ما في ملامح وجهي

وجهي الذي يتعثر بأنفاسهم كل مساء.

 

لا أحد هنا يشبه نفسه

 كل شيء عاد جديداً

كأن انخداعي بالأشياء يُبليها

 كان الوقت يمر على بساطتي

السذاجة تصدق الحواس

وثمة حاسة معطلة استيقظت للتو.

 

العزلة حظي

تحالفني حين أكتشف خدعة ما

أتمشَّى في رأسي..

أحاول أن أثق بي

والضجة التي كنت ألفتها

تنتصب الآن تحت قدميَّ.

الفراغ يضيق بالآن:

يدخل عليَّ لا أحد

أحدثه عن لاشي. 




ندم

 

الغرفة الفارغة تركناها لأرواحنا

تسهر في النوم

نرتديها مُرهقة في اليقظة

نقودها إلى التعب اللازم

عالقون في وحل الكسل

الندم علف نعاسنا

كلما سألت شمس عن عيوننا

قالت لها النوافذ:

أكلوا أصابعهم وناموا.

 

 

ضيوف

 

 

 

شاردون كقطط شبعانة

جالسون في جوسان خفي

المواء يتوالى بإلحاحه

وثمة ألفة ناقصة:

أقفلت باب الجواب،

قلبت غرفة لينام الضيوف

كاملين بالوحشة

وحياء الشهيق.


نجمة

 

 

وشوشات يقطعونها بالشهيق

يصيدون صمت الليل

غارقون في عتمة الكلام الخفيف

بينهم جمرة صغيرة

تغازل نجمة قبل انطفائها

تحكي للرماد عن سر التوقد

يُسهِّرون الرصيف بالآهات

وبأجفانهم يرفعون ستار نافذة

شفَّ زجاجها عن سقف الليل: اهتز فوق سيقان الرعشة

فانطفأت نجمة السهر

ولوَّح الظلام للظلام.

 

 

 

 

كوتشينة

 

 

 

العاَلم حجرة ضيقة

حيث غريب يرمق انشغال دخان بالتكاتف

حيث القداحات مشعلة بنان الزحام

 غرقى في بورصة الكوتشينة

ناسون أكواباً مليئة بلا أصابع

ناجون من فراغ اللحظة بالانهماك

دائخون في اللعب.

الغريب يتسلق وحشة الفيديو كليب

الرماد على الجدران أذبل زهر النقوش

 الصفر خصم لحياد العبث، نقطة من عرق البداية

العالم يلعب شوطاً طويل اليأس

والحجرة ضيقة

 رغم أنها بلا جدران.

 

 

ضجَّة

 

 

ضحكة شاهقة تفتح شهية الإصغاء

في وضوحه تعطلت الحواس، تسمع:

خروفاً يسمن في مجاعة

حبلاً مثقلاً بغسيل في عطش

المنزل مدينة ضجت بمعاريف

يستوقفون الضجر في الزوايا.

على فسحة الصالة أبوب ضاحكة،

أضاع الخشب مفاتيحها في ذاكرة ملمسه

ثلاث غرف للضجيج، وغرفة واحدة لأذن القلق

تحلم بصمت لا يتوجس انكساره

الأسنان المتسخة،

الملابس التالفة:  

أسرار مفترضة يخفيها فزع انفتاح الباب

تحت أنامل الضجة يتوتر خيط السمع

يهتز كريشة فقدت سكونها في نفخ الصوت

تشدك إلى نبرها الحركات،

تشنق الحضور، تفتح في الرأس صنبور الانتباه:  

ملك شطرنجي يهذي..

بلاط الصالة يخطط لمعركة نوم.

روبوت يغني في المطبخ،

يُسرِّح شعره بسكِّين.

ضجيج يستحم برماده،

يغازل امرأة في جيب سرواله:   

تقول الأذن:

أريد الصمت الذي في نومهم،

ينامون

وحبال أصواتهم تتلوى خارج الغرف.



أُلفة

 

تهديداتهم غفيرة تحتشد بالسفر

الغرف ستغلق أبوابها على الوحشة

مسكونة بسمعي

لو يملؤون بضجيجهم كاسيتات عديدة

أو يتركون حناجر المرح:

أتسلَّى بشهقاتها

وأرضع ضجة أليفة

تشبه مكوثهم في البيت الذي

حوّلته نوايا الرحيل إلى صالة للوداع.

            *     *    *

خيال أيديهم في توهمي يطرق الباب.

 

  

 

 

صديق يطرق الباب غيابه

 

 

  


كسل

 

الظهيرة معطلة، تهبك نعاساً إضافياً، لتلقط القطرات

المتبقية من النوم، تصغيها بعمق تحت المخدة، تتخيل

 أنك تحتضن جسمك، أو أنك نائم في حضن نفسك،

مستسلماً لرغبة طفل، هو الجسد: غجري لا تحصى

أعياده، تدعه لعينك تلهو به في خيالها.

تحتفل بأعضائك، وحين يؤلمك وخز في ظهرك

تستدير بهدوء لتلمس الألم: ربما أذن تلتصق

بالجهة الأخرى من الجدار، تسترق سمع

جريان الدم في شرايينك.

الظهيرة معطلة، وباب الغرفة مفتوح، يراقب التصاق

 أجزائك بالفراش، اليد تتثاءب، تداعب ذيل خيبة البارحة

تشكو نملاً إلى صمت زحفه، وأنت، لا تملك سوى صوتك

وموسيقى خفية، ربما أنغام تحت جلدك، يبعثها خدر يتفشى

 عزفاً على العروق.  

يظل الباب مفتوحاً، لأن صوتك الخفيف بلا يد ليغلقه، ومع ذلك

تحاول غلقه بصوتك، فتربك الخشب جيداً بأفكارك التي تزينت

 ونامت على العتبة: مفترق يغري بمتعة التثاؤب قطط الأفكار الساهرة.



موسيقى

 

حياتك النائمة تسمع موسيقى أخرى، وفصل الهدوء

 في تنفسك يذبح آلة التسجيل. الوقت نام أيضاً إلى جوارك

وفريد الأطرش يداعب قطتك بأغنية كسولة: انخطافك بعريها

نوَمك. تتوغل في أذن كون يصغي إليك بعينيه: تراقِصُ في

النومة موسيقى عارية، خلعت أجنحتها في رأسك فابتسمت..

 

 

انهزام

 

بيننا ساعة بلاستيكية.  

لعبة مهملة

تنتظر- دون جدوى

ملامسة معصم خرافي اللدونة

الراديو يحشرج

منشار الفجر يقترب

وأنتَ تغط في نومك المكشوف

أمام نافذة بلا ستار

إبادة الصراصير معركة

أدار حلمك رحاها في كفي السهرانة..

ظلام الغرفة دامس، رقّطتْه بقع ضوء متحركة

دخَل القط الأسود

أغمض عينيه فلم نره

باب الغرفة لا يضمن لك نوماً حتى الظهيرة

اليد الصاحية تخون رغباتك

تقنعك بالانهزام

من بين أصابع ضحكتك ينسل زئبق السعادة

يتواتر في صمتك الزفير

 

 

 

إحساس

 

 

أشم عطر زهرة خفية

فأعرف أنّكَ في البيت

وأنك تبتسم لنفسك

 

دائماً ينبت ورد في الفراغ الذي تحدق إليه.

 

 

 

شفرة

 

فجأة أتحسس حاجبيَّ

أجمل ما فيك

شفرة لاستحضارك.

 

 

تمويه

 

نتسلَّى بالكلام

أحياناً بالصمت

نُموِّه رغبتنا بالبقاء معاً.

 

 


غيابك

 

بغيابكَ أظل وحيداَ

يفقد الليل لونه.  

مخدتكَ البيضاء صاحية

تنتظر شعرك الفاحم ليمرغها بالسكينة.

أتأمل قميص نومك المخطط بالزفرات فأعجز عن الشهيق

يطول الليل ويبقى معي بانتظارك

تغيب كأغنية كنت أعشقها، نامت أسفل الذاكرة

أسمع صوتا لغيابك، يرن صداه في ارتعاش أسئلتي

وأنت نائم في حصن الصمت

تبني جداراً بيننا لا يعرف الإجابة.

تستيقظ في أفكاري

لم يكن لديَّ ما يكفي من الجنون لألمسك

أحلق نحوك بشغف يجرح الحياة

أملأ كأسي بطيفك،

وأعرف أنك لن تجيء

لكني أسمع طرقاُ على الباب

أفتحه ليدخل غيابك.



لكي أغضبك

 

كُنا معاً في البيت

الذي كانت جدرانه تسَّاقط

طالما أنت بالخارج 

وحين تعود

تلملمها

ترفعها مسنودة بضحكتكَ.  

كنا معاً

نتواطأ مع الفرح

نلاعب السهر

نتسابق إلى الدهشة

أنا بغرابة سهلة فهمتها سريعاً

وأنت بصبرك الذي أزعجني وبحاجبين لا يُنسيان

كل ليلة وأنت تدور

ترمم الأصدقاء

كل جرح سال بغيابك الحاد

تمنحه مبرراً كافياً لوقف النزيف

هكذا كنت

بصبر مللُتهُ سريعاً

فلبستُ قناع السكران

لأرميك بترنحي

وحين أخطأت التسديد:  

سجنتك معي في الغرفة

أقفلت الباب

ولكي أغضبك

أضعت المفتاح.

 

 

 

 

مدينة مغلقة

(صباحات ترتطم بالجدران)

 

 

 

صنعاء

 

 

أصابع ترتبك

فرص تعارف تفشل

تسير على سلك شائك تلوم ارتعاشها

صباحات محجّبة

تشدُّ القرويين إلى نائيات

رأوا فيها أكتاف بنات تتمطى

تقص أحلام البارحة.

نهارات مغلقة

 لا يد تجرح يأس انفتاحها

ترفع أجفان جدران

تنام في تسلل الضوء. 


 

دليل

 

  

في الضياع كف

للكف عين فيها دمعة

في الدمعة حنين إلى ذيل ثوب دليل مفقود.

 

 

 

غبار

 

 

بمللٍ فاحش يعد شارِبَيه

يُقبّلُ مرآته سأم ليحترق.

مواعيد منسية اخترعت غباراً للتمويه.

سخط يُقلُّ يأس جبين وحماقة كف إلى خيبة الفوات.

ظلام جوهري وشيء في الرئة يبني بيتاً للسعال.

شرخ يستطيل بين بنانتين

لصديقه مُحرِجة

 تتلاشى بالقبلات.

 

 

 

ركود

 

يسّاقط مثل ريش في هواء ساكن:

هدوء قبل الفجر يهجس بانفتاح الدروب

دون يأس

يرتطم بجدارن راكدة

صباح يتوارث الضجيج.

 

  

 

موظف

 

كومبارس يؤثث فراغ المكتب

كراسٍ

تعقد صفقات لنهب الوقت.

 

 


مريض

 

 

الأحذية تلمع بين الوجبات،

وثمة كائن مُعطَّل

الألم يلتحف صمت الزفرات

العيون تلبس خوذات الأسى

لوجع مراقب

                     بحياد الشفقة.



ولد

 

تقطُر الابتسامة

تعلِّق على الصدر شهقة

البهجة في كأسي

لا باب لِيمرّ المديح 

لولد

يسيل

بَهِيًّا

في الدهشة.

 

 

 

 

تَمويه اللذّة

 

 

  

بــديـل

 

الحب القديم الذي في المدرسة

للبنت الوحيدة في الفصل

الحب الجماعي

المظاهرة المكتومة من أجلكِ

تفرقت بهدوء

رُحنا نُحب أصدقاءنا

الذين نجرؤ على مخاطبتهم

وبالذات

صديقنا الوسيم

الذي اكتشفنا بالصدفة

أننا جميعاً نُحبه

ومن أجله نكتب قصائد الغزل

في حاجبيه وابتسامته

وفي عجزنا عن الكلام مع البنت الوحيدة في الفصل

البنت التي حولتنا إلى عشاق

لياقة الولد الوسيم.


 

 

حبيبة أولى

 

 سنلتقي في بيتهم

وستعجز عن حل مسألة رياضيات

نمسك القلم سوياً

تتلامس الأصابع ويخفق القلبان

وحين تتمكن من حل مسائلها

تتزوج من بائع قات غني

تنجب طفلين

وأنا أبكي كبطل فيلم هندي

لكنني أفشل في الانتقام

وأحاول التعمق أكثر في الرياضيات.

 

 

 

ارتيـــاب

 

أُحدثكِ كثيراً عن نفسك

نفسكِ التي تجهلينها

فراشة مجنونة

تطيرين من رجل لآخر

بلا هدف سوى رسم ابتسامة غريبة

أحدثكِ عن نفسي

نفسي التي أجهلها

طائرٌ يرتاب كل الأغصان

أَجلسُ معكِ وفي يدي كلمة

أضعها أمامكِ على الطاولة

فتطير..

 

  

 

تتدحرج عُملة في سُلّم النفق

 

 

لأنكِ في طريقي

سأحاول أن أُحبكِ

مثل أي شخص رومانسي

وربما مثل أي رجل

وحين تبتسمين لي كالعادة

سأخدع نفسي

أظن أنك أحببتني أيضاً

وحين أحاول أن أُكلمكِ للمرة الأولى

ستعرق جبهتي

رغم أننا سنتحدث عن العولمة

وربما عن حوار الحضارات

سأتجرأ وأدعوكِ لتناول شيء ما

في مطعم به جناح خاص للعائلات

ستعتذرين بأدب وتبتسمين لأول قادم باتجاهنا

سأحاول أن أُحبكِ مُجدداً

أستعير لكِ كتاباً من المكتبة

سيكون عن كيفية الحوار بين طرفين

ستعيدين الكتاب بعد فترة

وتذهبين في حوار طويل مع غيري

وحين أعود إلى البيت منكسراً

سأنزل درجات نفق التحرير

وأسمع صوت رنين عُملة معدنية

تتدحرج على رخام الدرج دون أن أراها

سأتحسس جيب بنطلوني الفارغ

لأقنع نفسي بأن العُملة سقطتْ منه

كما سقطْتِ أنتِ من قلبي

قلبي الذي لم تدخليه أصلاً.



تواطوء

 

 وجهكِ في إطار ذاكرتي

مدهون برغبتي في احتوائه

كأنكِ ستنطقين بلساني

والآن

ها أنتِ غيرْتِ تسريحة شعركِ

تركته طليقاً كأحلامك

تستدعين الطفولة

وتدعينني لنلعب

أقترح لعبة بريئة، كالدوران حول كرسي

أسبقك بالجلوس عليه

فتجلسين على ركبتيّ

يداكِ بين فخذيك المضمومين

كطفلة تتعلم الخجل

لكن عيناكِ تفضحان الخدعة

ونهداك يختبئان كلصين ماهرين 

ينتظران فرصة ارتطامنا

نلعب سوياً ببراءة زائفة 

نُموِّهُ بها متعة اضطرابنا باللذة

متواطئين في الانسياق إليها خفية

وكأننا لم ننتبه.

  

 


مراهنة

 

 أفاجئكِ وأنت عارية

تلتفتين خائفة

كلما تشعرين بعُريك يزداد فضحاً

يستر ظهركِ وشم غريب

وذلك السهم المحفور على الجلد

يشبه شجرة في الذاكرة

أراهنكِ على رؤية الوشم دون مرآة

عبثاً تلتفتين ولا ترينه

حتى الشامة الصغيرة تحت أنفك

تمطين شفتيك

ولا ترينها

تخسرين الرهان

تبقين عارية

وتمدحك الآن أصابعي..

 

 

انطفاء

 

مسترخية كالذبيحة، تصغين لوشوشات اللذة 

ساكنة تُكفِّرين عن ارتعاشك كدجاجة تحت الذبح

وهذا التنفس الذي تدريجيا ينخفض

كان في وجهي زفيراً يلفحني بالسخونة

 عرقك أيضاً يتبلر الآن بارداً

 كأنك خارجة للتو من ماء نهر ثلجي

أكلمك فتردين بغمغمات بطيئة 

سكرانة أثملتْك قشعريرات جسدك

أنشغل بلجم وتيرة أنفاسي

أجفف عرقي الذي يبرد مثلك الآن.

 

 

 

 

تجاعيد

(الحياة التي مرَّت في الصباح وأنا نائم)




فزع

 

 

كمن يتجمد بانتظار صوت الطلقة

أو كالذي – لمرات عديدة – يكتم تنفسه حد الاختناق

يتوقع لحظة ظهور الوحش في فلم مرعب:

أترقب فزع انفتاح الباب

 

  

ذات

 

خلع نفسه عن ساق العالم:

جورب مقلوب

يتنفس ذرَّات شئونه

يشهق أناه ليزفر نتانة القطيع.

 

 

مراقبة

 

تستعرض أحلامك

تكتشف ثقوباً في رأسك:

ثمة عينان مصوبتان باتجاهك.

 

  

 

العائلة

 

يلاحقون صمتي بحبال عائلية

كلما غَربْتُ عنهم أشرقوا بالبلاهة

كأن المواعيد بلا مواعيد تفاجؤني

يترصدون ذاكرتي لأ فسح للقطيع حيزاً

أصغي لكلام منقوع في البداهة

أحاول أن أكون الصورة التي يرسمونها لي

لدرجة تأملهم لرد فعلي تجاه ذبابة تحط على جبيني

مستسلماً لفجاجة بدائيتهم:

أقلّم اهتماماتي

أهزُّ رأسي لتسّاقط ميتافيزيقيات أفكاري

  كولد يرمي شيئاً محظورًا من جيبه.

 

 

 

في المصيدة

 

أحتسي زاد البلاهة

أرتِّق أفكاري بالمتاهات

أنصهر بالواجب مكتفياً بالابتسامات

وبإضحاكهم ببداهة تروقهم

أنُاكف امرأة تتعصب على الهواء

تخيط أوقاتي بمزاجها

تلوِّح لي بغطاء السرير كلما ابتسمت

يؤنبني جلد أنفها المعوجّ

لا يروقها اعتزالي

أسير محتذياً خوفي من نزق العودة

أخدع أوهامي لأعيش في وحل اللحظة

الرائحة تنبعث من جواربي

قدماي في الخزانة تتعرقان

الرائحة دليلي إلى المكوث في اليأس

أسير بين غرف الشتاء

أدخِّن ساعاتي بوجل

أضطجع قلقاً

أنام لأحلم ببيت لاسقف له

كل شيء محسوب بنظام

الكلام مرتب بعناية

عليك أن تُصلّي من أجل راحتك

أن تنهض بشكل مسرحي من نومك

تؤنب كابوساً وهمياً لم يطاردك.

لن تكون رجلاً إلا بالديكور

وأنت خشبة فارغة

تُحيِّر أسماعهم برطانة وحدتك السالفة

وتصرخ في داخلك بالكلام الهادئ

المطبخ في انتظار إشارة من كرشك

ينغلق الباب خلفك بعيون شاردة

تود لو تكبلك في فراغها 

لا معنى للترتيب

كل همسة مؤولة سلفاً

كل ضحكة مجنونة إذا كانت بعيدة عن أسماعهم

أفكار العجائز تحدد أخطاءك.

كن جماداً في صحرائهم

كن داخل سياقاتهم

ثمِلاً باللاشيء

راكعاً للخبز الساخن المتوج بنقش الأكف

فحلاً في الظلام بلا ضرورة لرؤية أسباب اللذة

لا ضرورة لملئ فراغ روحك في مستنقع اللازم

القدوة في الآخر والآخر يراقبك ليقتدي

أخرج من داخلك

لاتكن أنت

  كن محترماً يصغي لأعصابهم المتقرحة

يقطر عسلاً فوق دمامل الشك ببراءته.

 

 

 

حين أعبر الشارع

 

 

أقطعه بمقص رجليَّ

لكنه فجأة يلتئم تحت العجلات.

 

ينبغي أن أتجاهل ظلي

ظلي الذي يتوقف ليلتقط

أنيناً مرمياً على الأسفلت.

 

  

 

 

تجاعيد

 

1.

 جلسْتُ أطنفس الأيام

كخرزات مسبحة في يد طفل مرح

أستطيع أن أضيع في الشوارع

ويمكنني الآن أن أنخدع بسهولة

فقط لأثبت لنفسي أنني شخص ساذج

مثلاً: ضربت لي الصحفية موعداً نحيلاً

لكنني حين وصلت لبست قناع المحترم

لكأن الحياة مرّت في الصباح وأنا نائم فلم أرها

لكأن قلبي في يدي كسلسلة مفاتيح

وإلا فما سبب هذا الارتجاف من انفتاح أبواب الكلام

                                        في أفواه الأقارب؟

أعرف أن ولداً ما لم يعد الليلة إلى رأسي.  

 

 

2-

كُنّا نأكل بانتظار السير

نُموِّن أمعاء الرحلة

حول المائدة المباغتة تنتظر العيون أفعالاً

لا يدعها الصمت تنطلق.

كانت الأسماء لا تتناسب مع ملامح بعض الأطفال

ينبغي تبديلها كلما كبروا في غيابنا.

 

 

3-

أسير إلى نفسي

كخط مستقيم يتراجع إلى نقطة البداية

المخاوف تجتاح اضطرابي

تُسرِّب سكينتي قطرة قطرة

يرتج صوتي بداخلي كأني مغارة تنهار

أستيقظ ليبدأ يوم جديد من العمر الكاذب:

الانتظام دور فاشل لذاته 

أستيقظ بدافع أوهام سخيفة

 كأنتظار وصول شخص مجهول

أو حدوث شيء غير متوقع

كم حشرة زحفتْ في مواضع خطواتي

كم باباً فتحت ولم أجد أحداً خلفه

قد أنام أحياناً دون أن أبتسم لنفسي

إذ لا أحد يعرف سر انخداعه بالآتي.

 

 

4-

مليء بمسرات الفراغ

متوهم للود عند المعا ريف

لذلك يذهب وقت طويل دون أن أكون مصغياً لصوتي

 صديقي يلاطف أطيافاً لنساء يتراقصن على طلاء الجدار

بينما الضفادع في البركة المستحدثة:

أو جدت لها الحاجة بيئة للنقيق 

تحميها وحشة المكان من تفكيرهم بالسباحة

متحججين بضيق الوقت وبالطهارة.

المكان غامض لم يعد يشبه نفسه

نغني بألسنة الأجداد في مدينة تزداد تصحراً

يراكمون قصائد عشق للبهاء

يناجون حبيبات مجهولات

أحمد شاجع شد قوسه ورحل قبل أن يطلق السهم

نبيل السروري يقهقه الآن، يسخر من قوافٍ ساكنة في جولات الغبار.

 

 

5-

ما الذي يجري ورائي

أتلولب وراء المجهول

أمشي في حوار حلزوني

كأنها حمى الروح تُسخنُ خطواتي باتجاه وعي غامض

أعيش خرافة راحة مزعومة

أصغى لدبيب روحي فلا أسمعه

مُعلّق في فراغ دائري بلا نهار 

أرتب رغباتي

أسير وراء التأجيلات

راكد في غربة وجودي

أكون حيث لا أريد

أرتب أيامي لمفاجآت عادية

والأمل جثة بعيدة. 

 

6-

كنتُ رقماً أقود نفسي إلى ما قبل الصفر

أقود سلبيتي إلى إيجابية تافهة

يسكر خيالي بأطياف غريبة

أدخل في زجاجة الكولا وأرجُّ نفسي

يطّاير رذاذي على طاولة تكتب تأريخ قوائمها بالاحتكاك.

أبواب الغرف تضحك

ساخرة من محاولة الأحذية للهرب

وجدت طفلاً نمت له ذقن تساقط شعرها ببكائه

 

 

7-

لا فراش لروحي المعلقة مهما اضطجعت

الجدات تموت وجلودنا تتجعد

مثل أرض زراعية أهملها الأهل

تركوها ليقودوا سيارات الأجرة

في طريق تبيع الخمر للنادمين

ونحن دون أن ننتبه

أكلنا نصف دجاج المدينة

وغدونا ثعالب ترتدي النظارات.

 

 8–

نائمٌ في رأس الغريب

أنشد خبزاً لدماري ولا أكترث

أعفّر رُوحي بغبار البياض

سعيداً بخيار التعاسة

أول شمعة لم تعد تتذكرني

ولا أنا كذلك

يولد فيَّ حسُّ الأعمى بما في يديه

وبمن خلف بابه،

أراكم تهوري بلا هوادة

الصوت محنتي الأليفة

أسمع اسمي على ألسنةِ الأسباب

حذائي يرونها فيستدلون على مكوثي

لا أعترف لأحد بوشاياتي

لا أهتم سوى ببقاء تنفسي

الخيبات على كفيَّ أثقلتهما

ومامن فراغ تبقي ولا طاقة لحمل المزيد

ثمة حواس أخرى

تنغرس في جسد وقت كالرصاصة

الآن سيد البدايات

من الآن أبدأ

كي لا أصل.        

 

تعليقات

المشاركات الشائعة