الواقع كرواية جهنمية.. أو كيف تحولت حياتنا إلى فيلم رعب؟

 

أحمد السلامي

نحن نعيش في واحدة من أسوأ مراحل تاريخ البشر، لكننا غير منتبهين، وغير مدركين، لأننا بداخل المعمعة وجزء منها ومن فورانها.

أحيانا من الجيد أن تبقى بعض الأمور غامضة ومستورة عنك أيها الإنسان المسكين، لأنها لو انكشفت كلها سترى أن كل ما حولك زائف ومصنوع وموجه ومختلق بقصد ولهدف محدد سلفًا.

في هذه الحالة المأساوية يساعدك افتراض حُسن النية، أو الحفاظ على ما أسميها "براءة التلقي" على الاستمتاع بالحياة من حولك، بفنونها، وإبداعات إنسانها.

إذا لم تحافظ على تلك البراءة، أو في الحقيقة "السذاجة" فإنك ستنظر إلى كل ما حولك بارتياب، وستفتش عن الهدف الذي يقف وراء كل مشهد سينمائي وكل لوحة أو مجلة ومنصة!

ذلك أن الحقيقة لها مذاق بطعم المرارة، وتكشف أن كل شيء في الواقع مصمم لقول شيء محدد، أو ليخدم فكرة بعينها.

في الواقع هناك من يعرف أن النسبة العظمى من محتوى المواقع الإلكترونية، والقنوات والمنصات المختلفة، موجه لخدمة أفكار ومفاهيم وتطلعات ورؤى، تتبناها قوى ودول ومؤسسات وتيارات، تتسابق على ترويج محتواها وخدمة تصوراتها.

ما يفلت من المحتوى الإبداعي والفني غير الممول وغير الموجه لخدمة أية أفكار أو قوى فاعلة في عالمنا، يبقى مقصيًّـا في الهامش، ومحاربًا ومحصورًا في نطاق ضيق، ومحجوب عن التسويق والترويج والدعاية في كافة المنصات والمنابر المؤثرة.

ما يسمى بالمؤثرين ونجوم فقاعات وسائل التواصل الاجتماعي، يجري استقطاب من يلمع منهم وتشجيعه، ليواصل العبث الممنهج والتسطيح المركز، مقابل أتعاب شهرية تفوق مستحقات أكبر مفكر وفيلسوف وأستاذ أكاديمي.

لا أحد من المشاهير يغرد من دون أن يكون خارجًا من قفص الرعاية، ولا أحد يغرد خارج السرب، ومن يفعل ذلك سيجد نفسه وحيدًا إلى أن يعود إلى قفص الرعاية والتوجيه.

حشودٌ تتحرك وتعمل وفقًا لتعليمات وأوامر وتوجيهات ومهام محددة، ويومًا ما سنكتشف أننا كنا نعيش بداخل رواية ذات حبكة جهنمية، وستنتج عن هذه الحقبة مجموعة من الأفلام عن حياة مجتمعات وأجيال أواخر القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وكيف أنها كانت مجتمعات "مسيّرة"، ولا حرية لها في اختيار أي شيء، من بناء الوعي والذاكرة إلى الطعام الذي تأكله والترفيه الذي تشاهده!

مرة أخرى ..

قياساً بما حققته البشرية من تقدم، إلا أننا نعيش في واحدة من أسوأ مراحل تاريخ الإنسان العاقل، ولا سيما على صعيد الحريات والحقوق ومستوى العيش، لكننا غير منتبهين لما يدور ونمر بمرحلة الاستسلام للموجة العاتية التي غمرتنا جميعًا في كل أرجاء الكوكب بلا استثناء لأي شبر منه!

أغسطس 2023

 

تعليقات

المشاركات الشائعة